غناء المهرجانات هل هو غناء شعبى أم غناء سوقى ؟؟

بقلم \ الأعلامى طارق مصطفى
انتشار الغناء الرديء سواء ما يطلق عليه المهرجانات أو ما نعرفه نحن بأنه ( غناء سوقي ) ، هو في حقيقة الأمر غناء الدهماء و الغوغاء و الجهلة قولاً واحداً ، فقد تعدى الأمر لدى المتخصصين مرحلة الإنزعاج الى مرحلة الخطورة يشاركهم في ذلك المتلقين ممن لهم ذوائق حاضرة أو من لديهم بعض إحساس قويم سليم ، هذا اللون من العبث النغمي هو هراء و استخفاف متحدين مع مضمامين وضيعة من حيث الكلمة أو التكوين الموسيقي و الإيقاع الهيستيري المقيت أو التنفيذ التقني الرديء أو سلامة الآداء و صحته ، وصولاً للطبع الميكانيكي على الوسائط أو النشر على الإنترنت ، الخلاصة لا مضمون، لا قيمة ، لا راحة في الطرح و لا التلقي، لا موهبة من الأصل، لا وجود لمعنى الأغنية أو جماليات الموسيقى على الإطلاق، و الحديث ليس متعلقاً بعمل مقارنة للحاصل على الساحة الفنية الآن بالغناء الشعبي الأصيل بالمعنى الإصطلاحي لهذا الفن الراقي أو أننا نحاول أن نؤسس صياغة للفوارق بين فن حقيقي و بين العبث الذي يقدم اليوم، لا على الإطلاق ، إن ما يصل الى آذاننا _ رغماً عنا _ إنما هو اصوات تصدر روائح عفنة تفوح منغمة، تكدر النفس و الأرواح السليمة و الآذان المعتادة على استساغة كل ما هو حسن و توصيله للذائقة ثم القلب فالوجدان و الروح وصولاً للارتياح الشجي و الانسجام و الرواق..
المشكلة التي حولت المسألة من مراوحة مكانها بين الإسفاف و التدني ثم انزعاجنا وصولاً الى الخطورة الفعلية ؛ هي انفعال و تفاعل جموع كبيرة من طوائف المتلقين من أبناء طبقة ( الكِريمَة ) و علية القوم بل و العشوائيين مروراً بشباب الطبقة الوسطى و ما شابه، حيث ينتشر هذا الإسفاف بين الشباب ما بين طلاب المدارس و الجامعات الدولية مروراً بأقرانهم في التعليم الخاص و أمثالهم في المدارس و الجامعات الحكومية إنتشار النار في الهشيم ، بمزيد من الأسى و الأسف كل الأوساط الشبابية تلجأ لهذه المخدرات المنغمة بل و تنشرها على وسائط أخرى كالتيك توك و ما يماثله حيث يقلدون مقدمي هذا السخف و حركاتهم و أسلوب آدائهم الغث الردئ المتدني القميء ، بل و تقليدهم في أسلوب اختيار موضات ملابسهم، و ما يزيد الطين بلة هو أن السادة الكبار و كثيراً ممن يستطيعون ( الدفع ) من عامة الشعب يستعينون بمقدمي هذا الأشكال من التهافت الموسيقي و الغنائي؛ لإحياء أفراحهم و أعياد ميلاد ذويهم، و لا نستثني من ذلك بعضاً من النقاد الفنيين و الأكاديميين ممن يهاجمون هؤلاء نهاراً و يسهرون معهم و يدفعون لهم ليلاً بغية السماع لفضلات أخشى أن أنسبها للفن، حتى انكشف مثل ذلك جلياً في حفل زفاف لإبنة عضو مجلس إدارة سابق لنقابة الموسيقيين _المنوط بها تقويم تدني الموسيقى و الغناء إن حدث _ و انكار هذا الموسيقار الكبير معرفته المسبقة بمشاركة أولئك النابتة الذين يأكلون دون دعوة على مائدة الغناء ضمن من يحيون الحفل ، ثم إقرار إبنته العروس بأنها الداعية لهم و أن والدها كان يعلم بالأمر.. يحدث كل ذلك و أكثر، فلا تتعجبوا..
هناك أيضاً ما حدث من ضغط لرموز كبيرة في المجتمع و في الوسط الفني _ كما وصل إلينا _ مورست على النقيب الحالي للمهن الموسيقية هاني شاكر للتنازل عن قضية حكم فيها على أحد مؤديي هذا ( القرف ) و تنازل الرجل المحترم المهذب، نفس هؤلاء السادة المتوسطون دفاعاً عن الفنانين ( الغلابة) و أكل عيشهم و إن لهم جمهور عريض ” و هذا صحيح بالمناسبة” يخرجون علينا بحللهم القيمة و الثمينة و بمنتهى الوقار و الترفع مدافعين عن القيم الرفيعة و الثقافة و الفن الراقي؛ ذلك في يوم تالي لتوسطهم لدى النقيب ، منتهي النفاق و السطحية و اللزوجة و قلة القيمة..
الغناء الشعبي المصري ، بدأ بصورة ما في العصر الحديث مع الشيخ سيد درويش ثم جاء بشكله المعاصر والسليم بالشكل الذي عهدناه، على يد الأساتذة محمد عبد المطلب و تلاميذه شفيق جلال و محمد رشدي و محمد العزبي، و تألقت فيه حورية حسن و سعاد مكاوي، ثم جاء جيل النكسة بفن مماثل لفن اليوم الهابط، وما بين الغناء الشبيه بغناء الكباريهات و علب الليل و أفلام المقاولات لاحقاً راجت أثناء و بعد عصر الانفتاح أصوات غنائية بعضها مقبول ، إذ سمعنا غناءً جيداً لبعض من غناء عدوية بعد مرحلة السح الدح امبو و كثير من غناء حسن الأسمر و معوض العربي و رقي شعبيات ليلى نظمي و عايدة الشاعر، ذلك فضلاً عن استمتاعنا بألوان الغناء الشعبي المصري الأصيل كالغناء الإقاليمي التقليدي كالفلاحي و الصعيدي و البحري و البدوي و النوبي، و لكل رموزه المبهرة العظيمة، ثم تباغتنا ثانية و من جديد موجة من الرداءة دون ذكر أسماء رموزها لرحيل بعضهم ، إلا إن ما يحدث الآن هو وصمة عار عل…على جبين الفن المصري و على جدران الثقافة المصرية في بلد إبتدع كل شيء بديع و عظيم و راق و تبعته الدنيا..
ارحمونا و قننوا الأمور و لا تستمعوا لاصحاب فكرة ( المنع ليس الحل ) فنحن في بلد الثقافة و العلم فيه لايزالا ( بعافية ) الى حد كبير خاصة وضع الفن بعد ثورتين و معروف الى أي مدى يتأثر الفن بالحروب و الثورات و الاضطرابات ، أي لاداعي للنظريات و الفلسفة في ظروف كهذه ، أما ماذا أدى الى أن ينفعل زهور الشباب و الشابات بشدة بل و تعصب لهذه الألوان المعرفة خطأً بالفنون، فهو موضوع آخر نتناوله في مقال آخر..